الأمين العام من خشبة المسرح (السياسي)

في كل مناسبة يظهر فيها عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وآخرها إعادة إنتخابه أمينا عاما لحزبه بنسبة لاتظهر قوته بل عجز الحزب عن إيجاد بديل في إعتراف بعقم مدرسته وضعف نخبه. لا تخطئ الأعين ولا الآذان تلك القهقهات العالية التي يطلقها بين الفينة والأخرى. قد تبدو هذه الضحكات عفوية أو نابعة من خفة دم اعتاد عليها الرجل، لكنها بالنسبة للكثيرين – وأنا واحد منهم – آمنت بمشروعهم يوما وأحترم أصدقاء يمارسون السياسة جهويا تحت يافطتهم، لكن قهقهات الأمين  صارت مثار استغراب، بل وأحياناً اشمئزاز.

ليس الأمر أن الضحك مرفوض في حد ذاته، ولكن عندما يصبح أداة وآلية لتبسيط القضايا الوطنية الجدية، فإن ذلك ينقلب إلى نوع من الاستهانة بعقول الحاضرين والمواطنين عامة. في كل مرة ترتفع فيها ضحكات الأمين العام، يترسخ لدي الشعور أن بنكيران لا يتهرب فقط من الإجابة، بل يصرّ على استغباء من يجلس أمامه، وكأن مهمته لم تعد تقديم الحلول ولا الاعتراف بالأخطاء، بل تسلية الجماهير وتفريغ الاحتقان بلحظات ضحك  تشكك في ذكائنا.

والمثير أكثر أن أنصار الحزب أنفسهم، الذين لا يترددون لحظة في انتقاد الخصوم بجرأة تصل أحياناً حد التجريح، يقفون أمام بنكيران وقفة المريدين في حضرة شيخهم، أو المصلين في محراب “آية الله”، عاجزين عن توجيه أي نقد أو نصيحة، وكأن مجرد التفكير في مساءلة زعيمهم يعد من الكبائر.
هذه المفارقة الصارخة تكشف حجم الأزمة الداخلية: حزب يتباهى بالجرأة خارج أسواره، لكنه يعيش داخله على ثقافة الولاء الأعمى والقداسة المفرطة.


إن ما يثير الإشمئزاز حقاً هو أن رجلاً بمسؤولية بنكيران، كان يوماً رئيس حكومة، ينبغي أن يتحلى بقدر أعلى من الجدية والاحترام تجاه من يتوجه إليهم بالكلام، لا أن يحوّل النقاش السياسي إلى مسرح ارتجالي تغيب فيه الجدية ويضيع معه جوهر القضايا.

قهقهات بنكيران ونكته التي لا تضحك سواه، لم تعد مجرد تصرف شخصي، بل باتت سلوكاً يعكس أزمة أعمق: أزمة نخب سياسية تعتبر الشعب مادة للتهكم بدل أن تعتبره شريكاً في بناء مستقبل أفضل. وهو ما يدعونا، اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى المطالبة بسياسة أكثر نضجاً واحتراماً للمواطنين ولقضايا الوطن.


لقد حان الوقت لأن نرفض هذه الممارسات التي تستخف بوعينا الجماعي، وأن ننتقل إلى مرحلة جديدة من النضج السياسي، حيث لا مكان فيها للزعامات الشعبوية ولا للمريدين الذين يصفقون لكل قول وفعل دون تفكير.
إن تجديد الحياة السياسية لن يتحقق إلا عندما يستعيد المواطنون حقهم في محاسبة الجميع دون استثناء، وعندما يفهم السياسيون أن احترام ذكاء الناس لم يعد خياراً، بل ضرورة حتمية تفرضها طبيعة الزمن وتحولات المجتمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد