الانتخابات التشريعية الفرنسية: هل هناك اختلاف في اختيارات الناخبين بين المناطق الحضرية والريفية؟
رغم التوقعات التي أشارت إلى تصدر حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، إلا أنه حل ثالثًا بعد أن سيطرت “الجبهة الشعبية الجديدة” اليسارية على المشهد. ومع ذلك، حقق اليمين المتطرف تقدمًا كبيرًا في المناطق الريفية. وفي هذا السياق، حاورت فرانس24 مختصًا في العلوم السياسية لإلقاء الضوء على اختلافات محتملة في الاختيارات السياسية للناخبين بين المناطق الحضرية والريفية.
تحدى تحالف الجبهة الشعبية الجديدة كل التوقعات ليصبح القوة الأولى في الجمعية الوطنية الفرنسية عقب الدورة الثانية من الانتخابات، بحصوله على 182 نائبًا، متقدمًا على المعسكر الرئاسي واليمين المتطرف. رغم أنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة البالغة 289 نائبًا، إلا أن هذا التحالف اليساري قد يثبت بسرعة أنه قوة لا يمكن تجاوزها.
من ناحية أخرى، تمكن اليمين المتطرف أيضًا من زيادة عدد مقاعده البرلمانية بشكل لافت، فبعد أن كان حزب التجمع الوطني يشغل 89 مقعدًا، بات لديه مع حلفائه 143 نائبًا برلمانيًا.
في هذا السياق، حاورت فرانس24 كريستيان لوبارت، مختصًا في العلوم السياسية وأستاذًا في معهد العلوم السياسية برين، لفهم دلالات هذه الانتخابات والنتائج التي آلت إليها. بعد الدور الأول من الانتخابات، بدأ احتمال فوز حزب “التجمع الوطني” بالأغلبية المطلقة يتضاءل، وقد أظهرت بعض استطلاعات الرأي، التي أخذت في الاعتبار الحركية بين الدورتين، مثل الانسحابات والتحالفات، هذا التراجع. ومع ذلك، لم يتنبأ أحد بالفوز النسبي لتحالف “الجبهة الشعبية الجديدة”، الذي كان من المفروض توقعه بسبب الطابع غير المألوف لهذه الانتخابات، مثل وجود ثلاثيات وانسحابات وغيرها من العوامل. كل ذلك جرى في عجالة وفي ظروف سادها نوع من الاضطراب، ما جعل اختيارات الناخبين متقلبة.
تكمن نقاط قوة تحالف “الجبهة الشعبية الجديدة” في تصويت المدن الكبيرة مثل باريس ورين ومدن كبرى أخرى، في حين لاحظنا تقدمًا قويًا جدًا للتجمع الوطني في المناطق الريفية، التي شكلت بذلك مصدر دفع لهذا الحزب. لقد رأينا فوز التجمع الوطني بمقاعد في مناطق مثل شارونت، ودوردوني، وكروز، وقد يكون ذلك نتيجة للأزمة التي يمر بها القطاع الزراعي في البلاد.
لذلك، لا يجب الاستخفاف بالفصل بين الناخب الريفي والحضري وتسليط الضوء على هذا الجانب، فالمشهد يشمل أيضًا مواقف وسيطة، ويجب أخذ تصويت المزارعين بعين الاعتبار. هناك العديد من المناطق الريفية التي لا تزال تقاوم “التجمع الوطني”، وعند التمعن في خريطة النتائج، يتضح أن هناك متغيرًا إقليميًا يلعب دورًا بارزًا في اختلاف التصويت بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب، مما يجعل فكرة التناقض بين ناخب من المنطقة الريفية وناخب من المنطقة الحضرية نسبية.
يمكن أيضًا ربط هذه المتغيرات بأسباب تاريخية، بعضها قديم مثل تأصل الفكر الديمقراطي-المسيحي في منطقة بروتاني، ما يفسر عدم نجاح “التجمع الوطني” هناك. وبعضها الآخر حديث، مثل تفكيك الحقبة الصناعية في شمال وشرق فرنسا، ما أدى إلى استقرار العديد من السكان من أصول أجنبية فيها. الجميع تفاجأ بهذه النتائج، فقد تعالت أصوات تنتقد حزب “التجمع الوطني” وتشكك في احترافيته واحترامه لقيم الجمهورية. في بروتاني، هناك عِداء قوي جدًا لليمين المتطرف، مما استفاد منه تحالف “الجبهة الشعبية الجديدة”، وربما ساعدت التسريبات حول بعض مرشحي “التجمع الوطني” في تعزيز هذا العداء، حيث شكك الكثيرون في قدرة الحزب على تسيير البلاد.