مرائب السيارات في المغرب: بين تحديات الاكتظاظ وحلول التنمية المستدامة
تشهد المدن المغربية، وعلى رأسها الرباط والدار البيضاء، ضغطًا متزايدًا على البنية التحتية الخاصة بمرائب السيارات، نتيجة ارتفاع عدد المركبات والنمو الحضري السريع. فمع تجاوز عدد السيارات المسجلة في المغرب حاجز 4.5 مليون مركبة بحلول عام 2024، أصبح إيجاد حلول ذكية ومستدامة لوقوف السيارات ضرورة ملحة لضمان سلاسة التنقل والتخفيف من الازدحام المروري، في إطار رؤية متكاملة تضع التنمية المستدامة في صلب أولوياتها.
تعاني العديد من المدن من نقص حاد في المرائب المهيكلة، مما يدفع أصحاب السيارات إلى الوقوف العشوائي في الشوارع، متسببين في اختناق مروري وتأثير سلبي على جودة الحياة الحضرية. كما أن غياب نظام موحد لتحديد تسعيرة الوقوف يثير الجدل بين السائقين والمشرفين على هذه الفضاءات، مما يستوجب تقنينًا أكثر صرامة يوازن بين حقوق المستعملين ومتطلبات الاستثمار في البنية التحتية، وفق مقاربة تنموية تحترم البيئة وتراعي التوازنات الحضرية.
في هذا السياق، يندرج مشروع “الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية”، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والذي يهدف إلى تعزيز جاذبية المدينة وتطوير بنيتها التحتية وفق معايير التنمية المستدامة. وقد شمل هذا المشروع إنشاء مرائب تحت أرضية حديثة في مناطق مثل باب الأحد، ساحة مولاي الحسن، وقرب محطة القطار المدينة، ما يساهم في تقليل التلوث البصري وتحرير الفضاءات العمومية. تعتمد هذه المرائب على أنظمة إلكترونية لتوجيه السائقين نحو الأماكن الشاغرة، مما يقلل من الوقت المستغرق في البحث عن موقف، ويحدّ من الانبعاثات الغازية الناجمة عن حركة السيارات العشوائية.

في الدار البيضاء، حيث يتجاوز عدد السيارات المسجلة 1.2 مليون مركبة، لا تزال إشكالية مرائب السيارات مطروحة بشدة، خاصة في الأحياء التجارية والسياحية. رغم إطلاق مشاريع مرائب كبرى مثل مرآب ساحة محمد الخامس ومرآب كورنيش عين الذئاب، إلا أن الطلب لا يزال يفوق العرض، مما يستدعي الإسراع في تطوير مرائب متعددة الطوابق، واستغلال الفضاءات غير المستغلة أسفل المباني الإدارية والمراكز التجارية، وفق تصور حضري حديث يستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة.
إن تحقيق التوازن بين الحاجة إلى مرائب كافية ومتطلبات الحفاظ على الانسيابية الحضرية، يتطلب اعتماد حلول مبتكرة، مثل إنشاء مرائب ذكية تعتمد على التطبيقات الرقمية للحجز المسبق، وتوسيع المرائب تحت الأرضية في المناطق الأكثر اكتظاظًا، وتحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتمويل مشاريع مرائب مستدامة، وتعزيز المراقبة والتنظيم للحد من العشوائية وضمان احترام التسعيرات المحددة. إن مستقبل تدبير مرائب السيارات في المغرب مرتبط برؤية متكاملة تجمع بين التخطيط العمراني الفعّال والاستثمار في التقنيات الحديثة، لضمان فضاءات حضرية أكثر انسيابية واستدامة، وفق النموذج التنموي الجديد الذي يرعاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والهادف إلى تعزيز المدن الذكية وجعلها فضاءات للعيش الكريم تحترم البيئة وتستجيب لتطلعات المواطنين، في انسجام تام مع أهداف التنمية المستدامة.
بقلمي – علي تستاوت، خبير في الهندسة المدنية و باحث في التنمية المستدامة.