في مواجهة دعوات الانغلاق باسم الهوية
مقال رأي / مذكرة سياسية
المناسبة شرط، كما يقول الفقهاء. وما يدفعنا إلى كتابة هذه السطور اليوم هو ما راج مؤخراً من دعوات صريحة لتأسيس أحزاب سياسية تنطلق من منطلقات إثنية صِرفة، تحديداً ذات مرجعية أمازيغية، كما عبّر عنها بعض النشطاء، والذين يستغلون كل فرصة لنشر التفرقة وزرع العداوات، كم يسمون أنفسهم بالأكاديميين من طينة أحمد عصيد وعبدالخالق كلاب.
بعيداً عن الشخصنة، وحرصاً على واجب التحليل الهادئ، نرى أن هذا النوع من الطروحات، وإن ارتدى عباءة المطالبة بالحقوق الثقافية، فهو في الجوهر تعبير عن نزعة انغلاقية تهدد المكتسب المشترك للوطن المغربي. إنه ليس تعبيراً عن التعدد، بل انسحابٌ من فضائه الأرحب نحو مربعات ضيقة تبني ذاتها على “ما يميزنا عن الآخر؟” بدل “ما يجمعنا به”.
لقد عشنا، نحن أبناء هذا الوطن، في مدن ومناطق مثل كلميم، بوابة الصحراء نرى كيف كان التعدد الطبيعي بين اللسانين العربي والأمازيغي، الحساني والتشلحي، يولّد انسجاماً لا تنافراً. يوم كانت المدرسة الواحدة والإعدادية الواحدة والثانوية الواحدة والمرافق مشتركة، لم نكن نعرف هذه التقسيمات الهوياتية إلا في كتب التاريخ. أما اليوم، فمع تفتيت المؤسسات التعليمية إلى “مراكز محلية” و”جهوية”، ومع ارتفاع نبرة الخطابات الإثنية، بدأنا نشهد تراجعًا خطيرًا في الشعور بالانتماء المشترك.
لسنا ضد الاعتراف بالثقافة الأمازيغية، بل على العكس، نراها أحد أعمدة الهوية المغربية المتعددة. لكننا نرفض تحويل هذا الاعتراف إلى سلاح سياسي يُستخدم لبناء كيانات حزبية مغلقة، تفصل المواطن المغربي عن أخيه، وتُعيد إنتاج منطق الطائفة بدل الوطن.
إن تأسيس أحزاب على أساس إثني، ولو تحت غطاء ثقافي، ليس فقط مخالفاً لروح الدستور المغربي، بل هو تهديد مباشر لمفهوم المواطنة الجامعة. وإذا فتح هذا الباب، فإننا قد نرى مستقبلاً دعوات لحزب صحراوي، أو ريفي، أو “عروبي”، مما يُحوّل الساحة السياسية إلى سوق هويات متناحرة، لا فضاءً للتداول الديمقراطي حول المصلحة العامة.
وفي مواجهة هذا المنحى الخطير، نقترح ما يلي:
1. تجريم كل خطاب سياسي قائم على العرق أو الأصل الإثني، أسوة بما هو معمول به في دساتير ديمقراطية عديدة.
2. توسيع الفضاءات المدرسية والثقافية المشتركة، عبر سياسات تشجع التمازج الجغرافي والاجتماعي بين التلاميذ والطلبة.
3. إصلاح الإعلام والمناهج التعليمية لتقديم هوية مغربية مركبة بمرجعياتها المتعددة لا المتناقضة.
4. تمكين الشباب من الانخراط في مشاريع وطنية مشتركة، ثقافية ورياضية وتنموية، تعزز الانتماء إلى الوطن لا إلى الطائفة.
5. تحقيق عدالة مجالية فعلية، لأن غياب التنمية يولّد شعوراً بالتهميش، يُستغل لاحقاً سياسياً في قالب هوياتي.
إننا لا نكتب هذا دفاعاً عن الماضي، بل حرصاً على المستقبل. مستقبل نريده لوطنٍ يتسع لكل مكوناته، دون إقصاء، لكن دون انغلاق. وطنٌ لا يُبنى على أصل الدم، بل على المشاركة والمسؤولية المشتركة.
ولكم واسع النظر.
زرموح امبارك: الكاتب العام للهيئة الدولية للدبلوماسية الموازية