في مهرجان أسبوع الجمل بكلميم… الفرسان يكتبون بالبارود قصائد على صهوة الخيل

كل سنة، حين يحل مهرجان أسبوع الجمل في مدينة كلميم، تعود الأرض لتتنفس البارود، وتُحيي الذاكرة مشاهد خالدة من “التبوريدة” — هذا الفن المغربي الأصيل الذي يجمع بين الحرب والاحتفال، بين القوة والجمال، وبين الفروسية والتراث. المناسبة شرط، كما يقال، ومهرجان الجمل لم يأتِ إلا ليكون احتفاءً سنويًا بمن يستحقون التكريم: الفرسان الذين حرسوا النار في فتيلها، وورّثوا المجد لمن بعدهم على صهوة الخيل.

من بين الوجوه التي طبعت هذا الفن بطابعها الخاص، يبرز إدريس الفارس، الذي أطل علينا مؤخرات على قناة العربية،  ابن وادنون، الذي كبر بين “الرُّكبة والقَصَب والحَبَّة والبارود”، وهي أدوات الفروسية كما يصفها، لا تفارقه في حديثه كما لا تفارقه الخيل في قلبه. يقول إدريس إن “التبوريدة” لم تكن يومًا مجرد عرض فلكلوري، بل كانت من فنون الحرب، حيث يُطوّع الفارس البندقية كما يُطوّع فرسه، ويطلق الطلقات كأنها تمر عبر أعنة الريح.

وتنفرد منطقة واد نون بخصوصية استثنائية، حيث تُطلق الطلقات النارية من البنادق بين أرجل الخيول وليس في الهواء، لإبراز أعلى درجات التحكم والبراعة. تصطدم الطلقة بالأرض، فتُحدث صوتًا مضاعفًا، يثير رهبة الجماهير ويُبرز مهارة الفارس وثقة الفرس في صاحبه.

وفي سجل الفروسية، أسماء دونت نفسها بأحرف من ذهب، تستحق أن تُذكر في محافل الشرف كأسبوع الجمل. نذكر منهم الدكتور عالي الشاي، الفارس الذي جمع بين المشرط  والميدان، وعفريت الزمان، فارس العروض العالمية، الذي تميز بسيطرة مذهلة على الخيل. كما لا يمكن تجاوز عائلة أهل الراعي، رمز الفروسية الصحراوية المتجذرة، ومحمد ولد الناجم، رحمه الله الفارس الذي كان “يدمن” رائحة البارود ويُعرف بشغفه بلحظة التفجير كأنها لحظة ميلاد جديد.

أما أنا، فلست غريبًا عن هذا العالم. نشأت في قرية عبودة، حيث كانت المناسبات تُقام على إيقاعين لا ينفصلان: “قراءة القرآن” و”التبوريدة”، فيما يُعرف بـ”النزاهة”. كبرت بين الخيول، وكان والدي فارسًا، وارتبطت خطواتي الأولى بوقع حوافرها على تراب القبيلة. التبوريدة ليست بالنسبة لي فنًا من الماضي، بل ذاكرة حية، وهوية متجذّرة في الطين، وفي رائحة البارود.

مهرجان أسبوع الجمل، إذن، ليس مجرد احتفال، بل مناسبة لردّ الاعتبار لمن حفظوا للمغرب واحدة من أبهى تقاليده. هؤلاء الفرسان، وعلى رأسهم إدريس ومن سار على نهجه، لا يركبون الخيل فقط، بل يحملون الذاكرة، ويطلقون البارود لا للحرب، بل ليكتبوا الشعر في الهواء، وينقشوا التاريخ على صهوة الريح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد