المستشفيات العامة والخاصة في المغرب: بين متطلبات الخدمة الصحية ورهانات الجودة

تُشكِّل المنظومة الصحية في المملكة المغربية إحدى الركائز الأساسية لضمان رفاه المواطنين وتحقيق التنمية المستدامة، حيث تحتل المستشفيات العامة والخاصة دورًا محوريًا في توفير الرعاية الطبية. وبينما تتجه المستشفيات العامة إلى ضمان الخدمة الصحية كحق مكفول لكافة المواطنين، تسعى المستشفيات الخاصة إلى تقديم خدمات أكثر تخصصًا، في إطار نموذج اقتصادي يعتمد على الجودة والتنافسية.

في المستشفيات العامة، يظل الولوج إلى العلاج ميسرًا بحكم الطابع الاجتماعي للدولة، إلا أن التحديات التي تواجهها هذه المؤسسات عديدة، من حيث الضغط الكبير على البنية التحتية، والاكتظاظ الذي يشهده العديد من المستشفيات، خاصة في المدن الكبرى. وعلى الرغم من المجهودات المبذولة لتوسيع العرض الصحي وتحسين جودته، لا تزال بعض الإشكالات قائمة، مثل نقص الموارد البشرية الطبية وشبه الطبية، وضعف التجهيزات في بعض المرافق.

إلى جانب ذلك، تُعد مشكلات تموضع المستشفيات من بين العراقيل الكبرى التي تواجه المنظومة الصحية في المغرب، حيث غالبًا ما تُبنى المستشفيات في مواقع لا تراعي سهولة الوصول الجغرافي لمختلف الشرائح الاجتماعية، مما يُصعِّب من عمليات الولوج السريع للخدمات الطبية الطارئة. كما أن تصميم المستشفيات من الناحية المعمارية الداخلية يعتمد في أحيان كثيرة على الجوانب الجمالية فقط، دون إيلاء الأهمية الكافية لاستقرار البنية التحتية وقدرتها على التكيف مع التوسعات المستقبلية. ويُلاحظ غياب التنسيق بين المصممين المعماريين وخبراء التنفيذ، مما يؤدي إلى بروز مشكلات كبيرة على المدى الطويل، مثل صعوبة التكيف مع التقنيات الحديثة، ضعف الاستجابة لحالات الطوارئ، وارتفاع تكاليف الصيانة بسبب عيوب تصميمية كان يمكن تجنبها لو أُخذت في الاعتبار آراء الخبراء الذين يربطون بين المشروع والتنفيذ بشكل عملي ومستدام.

في المقابل، يُمثل القطاع الخاص خيارًا يفرض نفسه على شريحة واسعة من المواطنين، خاصةً لمن يبحثون عن خدمات طبية متخصصة أو مواعيد سريعة للفحوصات والعمليات الجراحية. ومع ذلك، يطرح هذا القطاع تساؤلات حول كلفة العلاج وإمكانية تحملها من قبل الطبقة المتوسطة، رغم تزايد انتشار التأمين الصحي.

في ظل هذه المعطيات، تعمل المملكة المغربية على إعادة هيكلة المنظومة الصحية من خلال مشاريع جديدة، سواء عبر توسيع شبكة المستشفيات العامة وتحسين خدماتها، أو عبر تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لضمان تكامل في تقديم العلاجات. كما أن التوجيهات الملكية السامية تؤكد على ضرورة إصلاح القطاع الصحي، بما يواكب تطلعات المواطنين ويضمن لهم الحق في العلاج بجودة عالية وفي ظروف إنسانية تليق بهم.

إن تحقيق التوازن بين القطاعين العام والخاص في المجال الصحي يظل رهانًا استراتيجيًا، حيث يتطلب تطوير رؤية متكاملة ترتكز على تحسين البنية التحتية، تعزيز الموارد البشرية، واعتماد معايير الجودة في كافة المؤسسات الصحية، لضمان منظومة أكثر كفاءة وعدالة في خدمة المواطن المغربي.

بقلم علي تستاوت خبير في الهندسة المدنية والتنمية المستدامة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد