سياسة المدينة في المغرب: إشادة برؤية تنموية تصنع الفارق
حين نتحدث عن سياسة المدينة في المغرب، فإننا نتحدث عن رؤية وطنية طموحة تستند على ثوابت التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية، والإدماج المجالي. هي ليست مجرد هندسة عمرانية، بل فلسفة متكاملة لبناء الإنسان قبل البنيان، والارتقاء بكرامة المواطن في تفاصيل حياته اليومية.
لقد شهد المغرب خلال العقدين الأخيرين تحولات عمرانية كبرى لم تأتِ من فراغ، بل كانت ثمرة إرادة ملكية سامية حريصة على جعل المدن المغربية واجهة مشرفة تعكس تاريخاً عريقاً وطموحاً مستقبلياً متجذراً. من مشاريع “مدن بدون صفيح” التي أعادت الأمل إلى آلاف الأسر، إلى برامج التأهيل الحضري التي غيرت ملامح أحياء بكاملها، ومن النقل الحضري المهيكل في الرباط والبيضاء، إلى توسيع نطاق المدن الذكية والمستدامة، نجد أنفسنا أمام خريطة إصلاح شاملة تستحق التقدير.
كرجل ميداني وخبير في الهندسة المدنية، أتابع باهتمام كبير هذه الدينامية التي لم تقتصر فقط على المدن الكبرى، بل شملت مراكز حضرية صاعدة ومدن متوسطة، في إطار توازن ترابي حقيقي. ففي فاس ومكناس وطنجة وأكادير ومراكش، نلمس تجديداً حضرياً يحترم الخصوصية المحلية ويرتقي بجودة العيش. وهذا ما يجعل من سياسة المدينة في المغرب تجربة فريدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين التخطيط الجاد والتنفيذ الواقعي.
كما لا يمكن إغفال المجهودات الكبيرة في مجال الحفاظ على البيئة، واعتماد مبادئ التنمية الخضراء، من خلال تشجيع النقل الكهربائي، وتعميم المساحات الخضراء، والاهتمام بجمالية المدينة وجودة الهواء. كل هذا يعكس وعياً عميقاً من صناع القرار بأهمية جعل المدينة فضاءً للعيش الكريم، لا مجرد تراكم إسمنتي.
وبكل إنصاف، فإن وزارة إعداد التراب الوطني والتعميرو الاسكان و سياسة المدينة، ومعها عدد من الجماعات المحلية، تُظهر اليوم حركية ملموسة في تجويد المقاربة التشاركية، وإشراك الفاعل المدني والمواطن في القرارات الحضرية. وهذا تحول ثقافي ومؤسساتي يعزز من فعالية البرامج ويجعل المواطن شريكاً حقيقياً في بناء مدينته.
لسنا في مدينة فاضلة، لكننا دون شك في طريق بناء مدينة عادلة. والتحديات الموجودة لا تحجب عنا الحقائق الإيجابية التي تحققت بفضل العمل الجاد والتخطيط المتوازن.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، نحن مطالبون كمواطنين وخبراء ونخب، بأن نساهم في هذا المسار، ونسانده بالكلمة الصادقة، والرأي النزيه، والمبادرة البناءة. لأن سياسة المدينة، حين تنجح، فهي لا تُسعد مسؤولا ولا حكومة فقط، بل تمنح حياة جديدة لأسرة، وأملاً لشاب، وكرامة لمواطن.
فكل التحية لكل من يشتغل في الظل والنور من أجل أن تبقى مدننا فضاءات للفرح لا الألم، ومصادر للفرص لا الهشاشة.
علي تستاوت، خبير في الهندسة المدنية والبناء، باحث في التنمية المستدامة.