المياه الجوفية في المغرب: ثروة مهددة تحتاج إلى حماية مستدامة
تعد المياه الجوفية من أهم الموارد التي يعتمد عليها المغرب لتلبية احتياجاته من الماء في ظل ندرة المياه السطحية، نتيجة التغيرات المناخية المتسارعة. يتوفر المغرب على 83 فرشة مائية رئيسية، موزعة بين 43 فرشة سطحية و40 فرشة عميقة، إلا أن هذه الثروة تواجه تحديات كبرى تهدد استدامتها، مثل الاستغلال المفرط والتلوث وضعف المراقبة.
رغم أهمية هذه الموارد، لا توجد إحصائيات دقيقة تُظهر حجم الاحتياطات المائية الجوفية المتبقية أو الكمية التي يمكن استغلالها بشكل مستدام على المستوى الوطني، حيث تتباين البيانات حسب المناطق وظروف المناخ والتغذية السنوية للفرشات المائية. إلا أن التقارير تشير إلى استنزاف مفرط للفرشات، يقدر بأكثر من مليار متر مكعب سنويًا، ما يؤدي إلى انخفاض مستمر في مستويات المياه الجوفية في العديد من المناطق.
تعتمد مناطق عديدة على المياه الجوفية بشكل أساسي، مثل جهة سوس ماسة التي تعاني من عجز سنوي يُقدر بـ100 مليون متر مكعب بسبب النشاط الزراعي المكثف. كما تعرف المنطقة الشرقية ومراكش-آسفي انخفاضًا مستمرًا في مستوى المياه الجوفية بسبب كثافة الاستغلال وضعف التغذية الطبيعية للفرشات.
تعاني المياه الجوفية في المغرب من الاستنزاف المستمر نتيجة زيادة الطلب في القطاعات الزراعية والصناعية والسكنية. إضافة إلى ذلك، يؤدي الاستخدام المكثف للمبيدات والأسمدة في المناطق الزراعية الكبرى إلى تلويث هذه الموارد. كما أن التغير المناخي ساهم في تفاقم الوضع من خلال نقص التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة.
وفي إطار التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، يولي المغرب أهمية كبيرة لموضوع الحفاظ على الموارد المائية، خاصة المياه الجوفية، والتي تمثل أحد الأعمدة الأساسية للأمن المائي في المملكة. وقد أطلق جلالته عدة مبادرات ومشاريع تهدف إلى تحسين إدارة هذه الموارد، من خلال تعزيز التقنيات الحديثة لري الأراضي الزراعية وتشجيع استخدام مياه البحر المحلاة في المناطق الساحلية. كما تم التأكيد على ضرورة المراقبة المستمرة للفرشات المائية وتنظيم استغلالها لضمان استدامتها للأجيال القادمة.
تعمل وزارة التجهيز والماء على مواجهة هذه التحديات من خلال سياسات تهدف إلى تنظيم استغلال المياه الجوفية، مثل تقنين حفر الآبار وتعزيز مراقبة الموارد. بالإضافة إلى ذلك، يجري تنفيذ مشاريع لإعادة تغذية الفرشات المائية باستخدام المياه الفائضة من الأحواض.
تتطلب حماية المياه الجوفية إجراءات متكاملة تشمل تعزيز تقنيات الري الحديثة للحد من هدر المياه في القطاع الزراعي، والاستثمار في تحلية مياه البحر بالمناطق الساحلية، وزيادة بناء السدود الصغيرة لتجميع مياه الأمطار. كما أن التوعية المجتمعية تلعب دورًا مهمًا في تشجيع الاستخدام المستدام لهذه الموارد الحيوية.
بقلم علي تستاوت
صحفي متخصص في قضايا التنمية المستدامة والبيئة، وخبير في الموارد المائية خريج المعهد العالي للأشغال العمومية.