الصحراء المغربية… لحظة الحسم تقترب في مجلس الأمن

يسود ترقّب غير مسبوق في الأوساط الدبلوماسية المعنية بنزاع الصحراء المغربية، تزامنًا مع انعقاد جلسة مغلقة لمجلس الأمن اليوم الإثنين. هذه الجلسة المرتقبة ليست كسابقاتها، بل تُوصف في كواليس الأمم المتحدة بأنها قد تكون “محطة مفصلية” في مسار التعاطي الدولي مع أحد أقدم النزاعات المفتعلة في إفريقيا والعالم العربي، والذي تجاوز نصف قرن من التوظيف السياسي والمتاجرة بمعاناة المحتجزين في مخيمات تندوف.

ما يضفي على هذه الجلسة طابعًا استثنائيًا هو تسارع وتيرة التحولات الجيوسياسية الدولية، وانكشاف أوراق العديد من الأطراف التي كانت تواري مصالحها خلف خطاب “تقرير المصير”. كما أن الصعود المتنامي للدبلوماسية المغربية، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وافتتاح عشرات القنصليات في العيون والداخلة، عزز من زخم المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الحل الجاد والوحيد القابل للتطبيق.

منذ إعلان هذا النزاع، ظل الشعب المغربي موحدًا خلف قضيته الوطنية، مؤمنًا بعدالتها ومشروعيتها، ومدافعًا عنها في كل المحافل. وفي الوقت الذي كانت فيه الجزائر تحتضن وتسلح وتوجّه “جبهة البوليساريو”، كان المغرب يبني، ويستثمر، ويؤهل الأقاليم الجنوبية لتكون نموذجًا للتنمية المستدامة والانخراط الإيجابي في مغرب الجهات.

اليوم، وبعد سنوات من الجمود ومحاولات الالتفاف، يبدو أن المجتمع الدولي بدأ يقتنع بأن استمرار هذا النزاع لم يعد ممكنًا، لا أخلاقيًا ولا استراتيجيًا. فمعاناة الصحراويين المحتجزين في تندوف، والذين يعيشون في ظروف لا إنسانية وتحت وصاية غير شرعية، أصبحت جرحًا مفتوحًا في ضمير العالم. كل يوم يمر دون حل عادل ونهائي هو تمديد غير مبرر لمعاناة أناس حُرموا من حقهم في الكرامة والاختيار الحر.

اللافت اليوم هو أن الأصوات المنادية بحل سلمي دائم أصبحت أكثر وعيًا بعدم واقعية الطروحات الانفصالية. المقترح المغربي، الذي وُصف مرارًا بكونه “جاد وذو مصداقية”، يحظى بدعم دولي واسع، ليس فقط من دول كبرى، بل حتى من شعوب ترى في الحكم الذاتي نموذجًا يحفظ السيادة ويضمن التنمية والاستقرار.

وربما تكون اللحظة الراهنة فرصة تاريخية، لخطوة شعبية سلمية جديدة، تُعيد إلى الأذهان ملحمة “المسيرة الخضراء”، لكن هذه المرة في شكل “مسيرة بيضاء” رمزية، تعكس إرادة السلام، وتربط الحاضر بالماضي، وتؤكد أن الصحراء ليست قضية حدود فقط، بل قضية وحدة وطنية، ومصير مشترك، وهوية لا تقبل القسمة أو التفتيت.

المغرب، الذي انخرط في دينامية دولية متقدمة، لم يعد مستعدًا للقبول بتكرار الخطابات القديمة. بل أصبح يطالب بمواقف واضحة، وخطوات عملية، وإنهاء حالة المراوحة التي تستفيد منها أطراف لا تسعى للحل بل لتكريس الوضع القائم.

مجلس الأمن اليوم أمام لحظة حقيقة. فإما أن يتحمل مسؤوليته في الدفع نحو تسوية حقيقية مبنية على الواقعية والتوافق، أو يترك الباب مفتوحًا أمام مزيد من المعاناة والجمود. والحق أن العالم لم يعد يحتمل مزيدًا من النزاعات المفتعلة التي تستنزف الشعوب والموارد.

إننا أمام فرصة قد لا تتكرر، فرصة لإنهاء نزاع تجاوز كل حدود المنطق، وإغلاق ملف أريد له أن يبقى مفتوحًا خدمة لأجندات إقليمية ضيقة. ولعلّ التاريخ سينصف من اختار طريق الحكمة والسلام، ومن انحاز للشرعية، ومن آمن أن مغربية الصحراء ليست فقط قضية وطنية، بل رسالة حضارية إلى العالم بأن الشعوب الحرة لا تقبل القسمة ولا الخضوع للمساومات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد