التدرج الفرنسي في الاعتراف بمغربية الصحراء في ظل حكم ذاتي موسع: ترجمة للتحولات الجيوسياسية والاعترافات الدولية
تعيش قضية الصحراء الغربية تحولاً نوعياً في مقاربتها على الساحة الدولية، خصوصاً بعد سلسلة الاعترافات والدعم المتزايد لخطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007، باعتبارها حلاً واقعياً وذا مصداقية لإنهاء النزاع. ومن بين أبرز هذه التحولات يأتي الموقف الفرنسي الذي بدأ يتدرج تدريجياً نحو تأييد أوضح لمغربية الصحراء، وهو ما يتجسد في عدة مبادرات آخرها إعلان افتتاح مكتب لتوسعة خدمات التأشيرة بمدينة العيون.
هذا القرار، الذي أعلنت عنه السفارة الفرنسية بالرباط، لا يمكن قراءته إلا ضمن السياق الأوسع للتحولات الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة. فهو يعكس تبني فرنسا لمقاربة براغماتية جديدة تقوم على دعم الاستقرار الإقليمي وتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع المغرب، خصوصاً في مجالات الأمن، الهجرة، والطاقة المتجددة.
فرنسا، التي لطالما اعتبرت حليفاً تقليدياً للمغرب داخل مجلس الأمن، من خلال تحركاتها الأخيرة، كمثل افتتاح هذا المكتب في مدينة العيون، تنسجم مع خطوات مماثلة اتخذتها دول وازنة، مثل الولايات المتحدة التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء في 2020، وألمانيا وإسبانيا اللتين أيدتا صراحة خطة الحكم الذاتي كحل جدي وواقعي.
من جهة أخرى، فإن دعم الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية يعزز فرص التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية، حيث يمنح السكان المحليين فرصة المشاركة الفعلية في تدبير شؤونهم. النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أطلقه المغرب، يهدف إلى تعزيز البنية التحتية، دعم المقاولات المحلية، وتمكين الشباب من فرص التكوين والتوظيف، مما يعكس الإرادة السياسية في جعل المنطقة قطباً تنموياً منفتحاً على إفريقيا جنوب الصحراء.
وبينما تسير فرنسا على خطى الاعتراف التدريجي، فإن تحركاتها تأتي أيضاً استجابة لمتغيرات النظام الدولي، حيث تبرز الحاجة إلى توطيد العلاقات مع قوى إقليمية صاعدة مثل المغرب. كما تسعى باريس إلى الحفاظ على نفوذها التقليدي في منطقة المغرب العربي، في ظل المنافسة المتزايدة من قوى دولية مثل الصين وروسيا، وأيضاً الولايات المتحدة التي وسعت نفوذها في المنطقة.
التدرج الفرنسي في الاعتراف بمغربية الصحراء، من خلال خطوات عملية كالوجود القنصلي في العيون، يعكس تحوّلاً في الخطاب والممارسة الدبلوماسية، في ضوء اعترافات دولية متصاعدة بخطة الحكم الذاتي. هذه المقاربة تعكس وعياً فرنسياً بأهمية الاستقرار الإقليمي والدور المحوري للمغرب، كما تترجم من جهة أخرى دينامية جديدة في الملف تنحو نحو الحل الواقعي القائم على التوافق والتنمية.