سعيد الناصيري: حينما يتحدث الذكاء في ساحات القضاء

سعيد الناصيري، ما شاء الله عليه، رجل لا يُستهان به. مثقف وهادئ، ويعمل بعقله قبل أي رد فعل. وكنت أتساءل، كيف تمكن من تسيير نادٍ كبير مثل الوداد؟ لكن بعد ما رأيت تصرفاته، أيقنت أن هذا الرجل استثنائي، أقسم بالله.

عندما وُجهت إليه عدة تهم، لم ينطق بكلمة، لا نفى ولا أكد، تعامل مع الأمر ببساطة وهدوء، وترك المحكمة تمضي في استدعاء المتهمين واحداً تلو الآخر، وتعرض الأدلة الموجهة ضده، بينما خصومه كانوا فرحين، يظنون أن الأمور تسير لصالحهم، وأن كل شيء تحت السيطرة.

مرت الجلسات، حتى جاء دور محاكمة سعيد الناصيري، فقال للقاضي: “تمهل، لديّ أدلة وحجج ستقلب موازين القضية، وسأقدمها في الجلسة القادمة”. وبالفعل، في الجلسة الموالية، قدّم عدداً كبيراً من الوثائق، وقال للمحكمة: “هذه هي الوثائق الأصلية، أما تلك الموجودة في الملف، فهي مزورة، وأطلب من المحكمة التحقق منها، ومعرفة من قام بتزويرها ولماذا يحاول الزج بي في السجن”.

القاضي لم يستوعب ما يحدث، وسأله: “من أين لك بهذه الأدلة؟ ولماذا لم تقدمها للشرطة منذ البداية؟” لكن الصدمة كانت في جواب الناصيري حين قال: “سعادة القاضي، لكل شيء وقته. وما زال لديّ وثائق أخرى سأقدمها في الجلسة القادمة”.

الناصيري أذكى مما تخيله أعداؤه. كان بإمكانه أن يصرخ منذ البداية ويقول إنه مظلوم، ويعرض أدلته، لكنه تصرف بحكمة، لأنه يعلم أن خصومه أصحاب نفوذ، ولو سلّم الأدلة منذ البداية، كان من الممكن التلاعب بها. لذلك صبر، وانتظر اللحظة المناسبة، وقدم الأدلة أمام الجميع: القاضي، المحامون، الصحافة، والمواطنون. وضعهم أمام الأمر الواقع، فلم يترك لهم مجالاً للتزوير أو التلاعب.

الطامة الكبرى أن المحكمة ما زالت تحقق في الوثائق المزورة، وتحاول معرفة من زوّرها ولماذا، وقد تنكشف فضائح كبيرة، وقد تسقط رؤوس نافذة.

الخلاصة: الناصيري أثبت أنه معلم. أرادوا أن يلعبوا به، فكان هو من لعب بهم بأسلوب إعلامي وقانوني محكم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد