المدن الصديقة للبيئة: كيف تساهم الهندسة المدنية في تحقيق الاستدامة؟

في زمن تتسارع فيه التحديات البيئية وتضيق فيه هوامش الانتظار، لم تعد المدن مجرد فضاءات للسكن أو للنشاط الاقتصادي، بل أصبحت مرآة حقيقية لمدى نضج الرؤية التنموية وقدرة الدولة على تحقيق التوازن بين الإنسان والمجال. هنا، تبرز الهندسة المدنية كأداة استراتيجية حاسمة، لا فقط في بناء الجسور والطرق، بل في إعادة صياغة العلاقة بين المدينة والبيئة.

التحول نحو مدن صديقة للبيئة يستدعي رؤية تشاركية، لا يمكن أن تكتمل دون إشراك حقيقي للخبراء والمهنيين. فهؤلاء لا ينفذون فقط التصاميم، بل يحملون فهماً معمقاً لطبيعة التربة، لنوعية الموارد، لمحددات المناخ، ولإمكانيات كل مجال. إن تفعيل مهاراتهم في التخطيط العمراني، في هندسة البنيات التحتية، وفي خلق حلول مبتكرة للطاقة والمياه والنقل، هو ما يضمن انتقالاً سلساً نحو مدن أكثر توازناً واستدامة.

وقد جاء خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في سياق إطلاق النموذج التنموي الجديد، مؤكداً على أن “البيئة لم تعد ترفاً فكرياً، بل مسؤولية وطنية ومجتمعية”، داعياً إلى تعبئة جماعية تنبني على العلم والمعرفة، وتضع الإنسان في صلب السياسات العمومية.

من هذا المنطلق، فإن المدن الإيكولوجية ليست حلمًا بعيد المنال، بل نتيجة طبيعية لمسار يشارك فيه الجميع، وخاصة الخبراء، من أجل صياغة بدائل واقعية تتجاوز الشعارات. إن نجاح هذا التحول لا يُقاس بعدد المشاريع المعلنة، بل بمدى قدرتنا على ترجمة الرؤية إلى واقع ملموس، يشعر به المواطن في تفاصيل حياته اليومية، من جودة الهواء إلى سهولة التنقل، ومن كفاءة الطاقة إلى احترام المجال.


علي تستاوت، خبير في الهندسة المدنية وباحث في التنمية المستدامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد