العاهل المغربي يقود ثورة القطارات فائقة السرعة LGV
بخطى ثابتة ورزينة، يواصل جلالة الملك محمد السادس قيادة المسيرة التنموية الشاملة، التي تطال كل القطاعات وتغطي كافة المجالات، يضع العاهل المغربي العنصر البشري في صلب كل عملية تنموية، تلامس الحاجيات الملحة للمواطنين، ما فتئ جلالته يعطي الانطلاقة، ويدشن الأوراش التنموية الكبرى، والمشاريع المهيكلة، التي تضع المغرب على الطريق الصحيح لتحقيق إقلاع اقتصادي متين.
تندرج المشاريع المهيكلة والأوراش التنموية، في إطار تعزيز المكتسبات وفتح آفاق جديدة، لعمل جدي عميق وممتد في الزمان، حيث ساهمت الأوراش المفتوحة بشكل مباشر في تغيير وجه المغرب، وكانت محركًا أساسيًا للعملية التنموية، ويركز ملك المغرب على ورش البنيات التحتية، وعيًا من جلالته بأنها القاعدة الأساسية لكل تنمية تتوخى مصالح المواطن، وتحسين ظروف عيشه، فالكم الهائل والمتنوع من المشاريع، جعل من المغرب بلدًا متجهًا بكل حزم وثبات نحو مستقبل واعد مشرق، كما جعله دولة رائدة على المستويين الإقليمي والدولي، وتشكل البنيات التحتية، أهم الأولويات التي ارتكز عليها المسار التنموي بقيادة حكيمة من جلالة الملك، وتندرج هذه الأولوية في إطار مشروع مجتمعي طموح، وبمنظور شامل يقوم على التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، وعلى ضمان العدالة المجالية.
وتجسد المشاريع الاستراتيجية الكبرى للبنية التحتية، أحد أبرز أوجه التحديث والتطوير الذي تشهده المملكة المغربية، ورافعة لكل الاستراتيجيات القطاعية والتنموية الطموحة، ما مكن المغرب من بلوغ المكانة الرائدة التي بات يحظى بها في هذا المجال قاريًا وإقليميًا، حيث احتلت المملكة المركز الأول إفريقيا، في مجال تطوير البنية التحتية، حسب مؤشر الحكامة الإفريقية لسنة 2024، وأصبح ميناء طنجة يحتل المرتبة الأولى في حوض البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا، كأكبر ميناء للحاويات، إضافة إلى الإنجازات المحققة في مجال البنيات التحتية الكبرى والمتنوعة، التي تحدد معالم مغرب اليوم.
وإنجاز المشاريع الكبرى للبنيات التحتية في مختلف المجالات، له انعكاساته الإيجابية في تعزيز ولوجية المغرب، وتيسير اندماجه الترابي عبر شبكة لوجستية تستجيب للمعايير الدولية.
وبمحطة القطار الرباط أكدال، أشرف جلالة الملك محمد السادس يوم الخميس الماضي، على إعطاء انطلاقة إنجاز الخط السككي فائق السرعة LGV القنيطرة – مراكش، على طول 430 كلم، ويعكس هذا المشروع الرؤية الملكية المستنيرة، الرامية إلى تحسين العرض السككي الوطني، يندرج في إطار التوجهات الاستراتيجية للمملكة بقيادة جلالته، في مجال التنمية المستدامة، لا سيما حلول التنقل الجماعي منخفضة الكربون، كما يجسد أيضًا العزم الراسخ للمغرب على مواصلة تطوير شبكة السكك الحديدية الوطنية، حتى تضطلع بدورها الكامل كعمود فقري لمنظومة نقل مستدامة وشاملة.
ويشكل هذا المشروع المهيكل بغلاف مالي قدره 53 مليار درهم دون احتساب المعدات المتحركة، جزءًا من برنامج طموح تطلب تعبئة استثمارات إجمالية بقيمة 96 مليار درهم، ويهم أيضًا اقتناء 168 قطارًا بمبلغ 29 مليار درهم، موجهة لتجديد الحظيرة الحالية للمكتب الوطني للسكك الحديدية، ومواكبة مشاريع التنمية والحفاظ على مستوى الأداء بـ 14 مليار درهم، ستمكن على الخصوص من تطوير ثلاث شبكات للنقل الحضري، على مستوى مدن الدار البيضاء والرباط ومراكش.
يشمل مشروع القطار فائق السرعة القنيطرة – مراكش، إنشاء خط سككي فائق السرعة، يربط مدن الدار البيضاء والرباط ومراكش، مع ربط بمطار الرباط والدار البيضاء، ستصبح المدة الزمنية بين طنجة والرباط ساعة واحدة، وساعة و40 دقيقة بين طنجة والدار البيضاء، وساعتين و40 دقيقة بين طنجة ومراكش، وسيمكن المشروع كذلك من ربط الرباط بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء في 35 دقيقة، مع ربط كذلك بالملعب الجديد لابن سليمان، ويرتقب أيضًا تأمين خدمة للخط فائق السرعة بين فاس ومراكش، في حيز زمني يقدر بثلاث ساعات و40 دقيقة، بقطارات فائقة السرعة، تسير على الخطوط العادية من فاس حتى شمال القنيطرة قبل المواصلة على الخطوط الجديدة فائقة السرعة إلى مراكش.
يهم مشروع الخط فائق السرعة القنيطرة – مراكش بالخصوص، تصميم وإنجاز خط جديد بين القنيطرة ومراكش بسرعة 350 كلم في الساعة، وتهيئة مناطق المحطات بالرباط والدار البيضاء ومراكش، والتجهيزات السككية، وبناء محطات جديدة للقطارات فائقة السرعة، ومحطات قطارات القرب، وتهيئة المحطات الموجودة، فضلًا عن إنشاء مركز لصيانة وإصلاح العربات بمراكش، وسيتيح إنجاز تمديد الخط فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، ما يتيح الفرصة لتطوير الخدمة الحقيقية للقرب، تتمثل في قطارات القرب الحضرية، تغطي جزءًا من حاجيات النقل الجماعي.
تعد الخدمة الجديدة لقطارات القرب الحضرية، استجابة لتحديات التنقل الحضري في هذه المدن الكبرى، وتوفر العديد من المؤهلات على مستوى المواعيد، وجودة الخدمة والاستدامة، وتزامنًا مع إطلاق مشروع إنجاز الخط فائق السرعة الجديد القنيطرة – مراكش، يطلق المكتب الوطني للسكك الحديدية، برنامجًا غير مسبوق لاقتناء 168 قطارًا جديدًا، يهدف إلى تعزيز وتحديث مجمل أسطول معدات خدمة المسافرين، وستتيح عملية الاقتناء هذه، التي خُصص لها استثمار بقيمة 29 مليار درهم، تحسين الأداء التشغيلي وتعزيز الخدمات الجهوية والاستجابة للزيادة المتوقعة في حركة المسافرين بحلول سنة 2030.
وعلى وجه التحديد تهم العملية بشكل ملموس، اقتناء 18 قطارًا فائق السرعة بمشاريع التمديد، و40 قطارًا للربط بين المدن، و60 قطارًا مكوكيًا سريعًا، و50 قطارًا من شبكات النقل الجماعي على مستوى المدن الثلاث، كما سيتيح هذا البرنامج الطموح لاقتناء عربات السكك الحديدية، بروز منظومة سككية صناعية، ومع معدل اندماج محلي يزيد عن 40%، يبرهن البرنامج على التزام قوي اتجاه المقاولة والكفاءات المغربية، وستكون له حتمًا آثار إيجابية من حيث دعم الاقتصاد الوطني، وخفض تكاليف النقل والتنمية المستدامة.
ينقسم البرنامج على الخصوص إلى مكونين رئيسيين، أولهما ذو طابع صناعي يهم إنشاء وتشغيل وحدة صناعية محلية، لتصنيع القطارات وإرساء منظومة للموردين والمناولين، ويتعلق المكون الثاني بإحداث شركة مختلطة بين الشركة المصنعة والمكتب الوطني للسكك الحديدية، لتأمين الصيانة الدائمة والصناعية، والتي تغطي مدة عمر القطارات مع التحكم في التكاليف، وسيمكن البرنامج الذي سيمتد على مدى 10 سنوات من تكوين موارد بشرية، وخلق عدة آلاف من مناصب الشغل مباشرة وغير مباشرة.
ومع برنامج التحديث الجديد، تشهد شبكة السكك الحديدية المغربية برمتها نهضة حقيقية، لا تتعلق فقط بتمديد شبكة القطار فائق السرعة إلى مراكش، وإنما أيضًا بتحديث وتعزيز وتجديد أصول قطارات المكتب الوطني للسكك الحديدية، وإحداث شبكة سككية للنقل الجماعي، وخلق منظومة صناعية جديدة واعدة.
تم إنجاز هذا المشروع الاستثماري الهام، لتحديث الشبكة السككية، اعتمادًا على خبرة مقاولات دولية ذائعة الصيت، ويتعلق الأمر بشركة “ألستوم” الفرنسية للمعدات المتنقلة فائقة السرعة، والشركة الإسبانية “كاف” فيما يخص القطارات الرابطة بين المدن، وأيضًا الشركة الكورية الجنوبية “هيونداي روتيم” المتخصصة في قطارات القرب الحضرية بشروط تمويلية تفضيلية.
تطوير البنى التحتية أساس متين للتنمية الاقتصادية الوطنية، جعل المغرب منصة صناعية وتكنولوجية رئيسية على المستوى القاري، ما مكنه من جذب اللاعبين الرئيسيين في القطاعات الواعدة، عبر تزويدهم ببنية تحتية حديثة وفعالة من حيث التنقل والخدمات اللوجستية، وتجسد الإنجازات المحققة رؤية جلالة الملك في قيادة المملكة نحو مستقبل مشرق، وتعكس الاستثمارات الضخمة في مجال البنيات التحتية وتحسين وسائل النقل المختلفة التزام جلالته بتحقيق التنمية الشاملة والازدهار المستدام.