حوار فني بين الطرب الأندلسي والعيطة المرساوية
احتفت الدورة الـ 21 لمهرجان “أندلسيات” بالتراث الموسيقي المغربي من خلال محاورة فنية نادرة بين العيطة المرساوية والطرب الأندلسي. وقد احتضنت قاعة الحفلات الكبرى بمنتجع مازاغان بالجديدة هذه الأمسية الفريدة، التي شهدت تناغمًا كبيرًا بين نوعين موسيقيين انصهرا بسلاسة، ليؤكدا مرة أخرى غنى وتنوع الموروث الثقافي المغربي، الذي يكشف عن تكامله كلما أتيحت له الفرصة.
وقد نجح خالد البوعزاوي وجوق محمد بريول إلى أبعد الحدود في إمتاع الجمهور، الذي حجّ بكثافة من مختلف المدن المغربية. وكان البوعزاوي، بعزفه على آلة الكمان، واسطة العقد في مجموعة الأستاذ محمد بريول، مقدّمًا كوكتيلًا موسيقيًا رائعًا جمع بين العيطة المرساوية والطرب الأندلسي، في السهرة الختامية لمهرجان “أندلسيات”، الذي تنظمه جمعية هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب. ولم تُسجَّل أي هفوة في هذا المزج الفني، حيث تماهى صوت البوعزاوي مع أفراد الجوق الأندلسي في أغنيات مثل “أش من حومة ساكنين انتوما” و”خربوشة”، وكأنهم يشكلون معًا فرقة “أولاد البوعزاوي” كما كانت في الماضي.
وسط تصفيقات حارة من الحاضرين، صدح صوت المنشد نور الدين الطاهري، مؤازرًا بصوت الفنانة سكينة فحصي، فتجاوب معهما البوعزاوي بأداء موسيقي متناغم، أظهر للجمهور أن العيطة المرساوية والطرب الأندلسي وجهان لعملة واحدة، يمثلان تراثًا مغربيًا غنيًا ومتكاملًا في جوانب متعددة.
وفي تصريحات عقب الأمسية، أكد خالد البوعزاوي أن فن العيطة المرساوية له دور محوري في تعزيز التلاحم الفني وخلق جسور بين الأنماط الموسيقية المختلفة. كما اعتبر أن هذه التجربة المشتركة مع جوق محمد بريول كشفت بالملموس عن الانسجام العميق بين مكونات الموسيقى المغربية. من جهتها، صرّحت الفنانة سكينة فحصي: “قدمت اليوم قصيدة مستوحاة من فن البريولة، مزجتها بأغنية صوفية، ولا شك أن هذه المزاوجة وصلت إلى قلوب الحاضرين وتفاعلوا معها بشكل كبير”.
أما منير الصفريوي، نائب رئيس جمعية هواة الموسيقى الأندلسية بالمغرب، فقد قال: “نختتم اليوم الدورة الـ 21 من مهرجان أندلسيات بأبهى صورة، من خلال هذا التلاحم بين نمطين موسيقيين كبيرين من تراثنا المغربي، في حوار فني نادر بين العيطة والطرب الأندلسي، حيث لمسنا تفاعلًا كبيرًا من الجمهور”. وأضاف أن المهرجان تخللته أيضًا ندوة علمية حول دور الأنطولوجيا في الحفاظ على الموسيقى الأندلسية، بمشاركة الموسيقار الكبير أحمد عيدون، الذي أشرف على تسجيل أول أنطولوجيا تتضمن جميع المعطيات التي تساهم في انتشار هذا اللون الموسيقي العريق عالميًا.
يُذكر أن إنجاز هذه الأنطولوجيا استغرق ثلاث سنوات من العمل، حيث تضمنت 130 ساعة من التسجيلات، و6000 صفحة موثقة باللغتين العربية والدولية، بالإضافة إلى تطبيق تفاعلي يُتيح الوصول إلى كافة المعلومات المتعلقة بالطرب الأندلسي.