في لقاء نظّمه شباب من الحراك المغربي عبر منصة “ديسكورد”، أدلى الصحفي المعروف أبوبكر الجامعي بتصريح قال فيه إن الحركة الأمازيغية هي قضية هوياتية ليس إلا، في إشارة إلى ضرورة وضع النقاش حول الأمازيغية في سياقه الثقافي والوطني المتوازن.
لكن هذا التصريح لم يرق للناشط الأمازيغي أحمد عصيد، الذي سارع إلى الرد ببيان مطول نشره على صفحته في “فيسبوك”، اعتبر فيه كلام الجامعي “تبخيسًا لنضالات الأمازيغية ومكتسباتها”.
غير أن رد عصيد لم يكن مجرد توضيح فكري، بل مناسبة جديدة تكشف طبيعة الخطاب البراغماتي والنفعي الذي يطبع مواقفه من قضايا الهوية والوحدة الوطنية.
الجامعي تحدث من موقع المثقف الحر، محاولًا تذكير الجيل الجديد بأن الأمازيغية، كالعربية والإسلام، جزء من النسيج الوطني لا مناقض له. لكن عصيد، كعادته، فضّل تحويل النقاش الفكري إلى صراع رمزي بين “المدافعين عن الأمازيغ” و”خصومهم”، وكأن القضية الأمازيغية في خطر دائم.
بهذا الأسلوب، يعيد عصيد إنتاج منطق الوصاية على الأمازيغية، معتبرًا نفسه ممثلها الأوحد، ما يضعف الطابع الوطني الجامع للقضية ويُفرغها من بعدها الثقافي لصالح رهان أيديولوجي ضيق.
منذ سنوات، يستثمر عصيد في خطاب “المظلومية الأمازيغية”، ويُقدّم نفسه كصوت الأمازيغ في مواجهة “نظام مهيمن”. غير أن هذا التصور يناقض الواقع السياسي المغربي، حيث كانت الملكية هي الضامن الدستوري لإنصاف الأمازيغية منذ دستور 2011، من خلال ترسيم اللغة الأمازيغية وإحداث المجلس الملكي للثقافة الأمازيغية.
المفارقة أن عصيد نفسه كان عضوًا مستفيدًا من هذا المجلس، يتقاضى تعويضات ومزايا رسمية، ثم عاد اليوم ليهاجم نفس المؤسسة التي فتحت له الأبواب.
أليس في ذلك براغماتية نفعية تضع المصلحة الشخصية فوق المبدأ.
لقد تحوّل خطاب عصيد من الدفاع عن الإنصاف الثقافي إلى استثمار سياسي في الانقسام الهوياتي. فهو يهاجم الإسلاميين تارة، والملكية تارة أخرى، ويربط كل اختلاف فكري بـ”تهديد للأمازيغية”.
لكن الحقيقة أن الأمازيغية لا تحتاج إلى خصومات ولا إلى وسطاء وصاية، بل إلى عمل مؤسساتي هادئ ومتكامل داخل إطار الدولة.
حين يُصرّ عصيد على تصوير نفسه كـ”ضحية نظام”، فهو لا يدافع عن الأمازيغية بقدر ما يستخدمها كمنصة لبناء نفوذ رمزي يمنحه حضورًا إعلاميًا دائمًا.
إن قراءة أبوبكر الجامعي للأمازيغية بوصفها “قضية هوية” ليست انتقاصًا منها، بل توصيفًا عقلانيًا لمكانتها في المجتمع المغربي. أما تحويلها إلى مشروع صدامي مع الدولة فهو لعب بالنار لا يخدم إلا أجندة الفرد الباحث عن دور بطولي.
الحركة الأمازيغية اليوم ليست بحاجة إلى “أبطال” يزايدون باسمها.