من رمز الاحترام إلى ضحية التفاهة الرقمية: ماذا يحدث للفنانة لطيفة رأفت؟

مجلة ااجالية
لطيفة رأفت، أيقونة الطرب المغربي، وُلدت سنة 1965 بمدينة القنيطرة من أصول وزانية، وبصمت مساراً فنياً استثنائياً جعلها تحظى بمكانة رفيعة في قلوب المغاربة. بصوتها القوي، وكاريزماها الهادئة، وحرصها الدائم على ارتداء الزي التقليدي المغربي، جسّدت عبر عقود صورة المرأة المغربية الأصيلة، المثقفة والوطنية.
منذ الثمانينات، تألقت بأغانٍ خالدة مثل “خيي” و”مغيارة”، وتحوّلت إلى رمز فني يحظى بإجماع شعبي واحترام واسع. بالنسبة لكثيرين، لم تكن لطيفة رأفت مجرد فنانة، بل “سفيرة للمرأة المغربية” بامتياز.
لكن، ومع تطور الزمن وتحوّل مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة مفتوحة للفوضى والابتذال، وجدت الفنانة نفسها داخل دوامة من الإساءة، دون أن تكون السبب أو الهدف المباشر. اسمها ارتبط مؤخراً بفضيحة إعلامية خلقتها شخصية مثيرة للجدل تُعرف بلقب “تحفة” – يوتيوبر مجهول الهوية، معروف بخطابه المنحط والمليء بالسب والشتم في حق شخصيات فنية، إعلامية، وحتى مؤسسات وطنية.
هذا الشخص، الذي لا يتوانى عن استخدام لغة السوقية والطعن في الأعراض بلا دليل، أصبح ظاهرة خطيرة تحظى بمتابعة آلاف المغاربة، بينهم من ينتمون لعائلات محترمة، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول الذوق العام ومناخ التربية الرقمية في البلاد.
السؤال المؤلم: كيف لفنانة مثقفة مثل لطيفة رأفت أن تجد نفسها وسط هذا المستنقع؟
الجواب يحمل بعدين؛ الأول بسيط، والثاني أكثر تعقيداً. نحن نعيش زمناً تراجعت فيه القيم، وتاهت فيه الحدود بين حرية التعبير والتحريض، بين النقد المهني والتشهير المنحط. وسائل التواصل أصبحت سلاحاً في يد كل من يسعى إلى الشهرة على حساب سمعة الآخرين.
الواقعة تسلط الضوء على تحدٍ خطير يواجه رموز الفن والإعلام: هل سنقبل أن يتم جرّهم إلى ساحة التفاهة؟ هل سنقف مكتوفي الأيدي؟
لطيفة رأفت ليست مجرد فنانة، بل عنوان بارز لقيمة المرأة المغربية في المشهد العربي، واستهدافها هو استهداف لرمز من رموز الهوية الثقافية.
وهنا تبرز مسؤولية الجميع: المجتمع، الإعلام، وحتى المؤسسات. يجب التذكير أن القضاء المغربي يبقى المؤسسة الوحيدة المخوّلة للحكم، وأن المنصات الرقمية ليست محاكم، ولا يحق لأي “يوتيوبر” أن ينصب نفسه قاضياً يوزع الاتهامات كما يشاء.
حرية التعبير حق مكفول، نعم، لكن لها ضوابط. السب، القذف، والتشهير ليست آراء، بل جرائم يعاقب عليها القانون.
وفي النهاية، لا بد من التأكيد أن الاحترام والأدب في النقد، والاحتكام للحجة والمنطق، هم السبيل الوحيد لحوار صحي يحمي القامات الوطنية من القمامات ومن موجة التفاهة التي تجرف كل ما هو جميل في هذا الوطن.

Comments (0)
Add Comment